ازالة ارحام المعاقات عقليا ... من يوقف الجدل في الاردن؟

جاد التشريعات هو الحل الامثل لوقف الجدل القائم في الاردن حول ازالة ارحام الفتيات المعاقات عقليا. لقد طالعتنا الصحف المحلية والاجنبية مؤخرا على مسألة ازالة ارحام الفتيات المعاقات في الاردن كما تناولت هذه الصحف اسباب هذه الظاهرة من الناحية الدينية والقانونية , لكن الجدل كان سطحيا ينقصه التعريف بالمشكلة واثار ارباكا لدى الاهل اضاف لديهم شعورا بالذنب وحملهم المسؤولية المنفردة باتخاذ مثل هذا القرار . لذا جاءت هذه المقالة المختصرة ليست لحل المشاكل بل لتكون مساهمة بسيطة للخروج من هذا الجدل بنتيجة تخفف على الاهل وخصوصا الامهات ارباكهم بالمسألة ومشاركة متخذي القرار بهذا الشأن للخروج بحلول تتفق بما هو مقبول دينيا واجتماعيا للمجتمع الاردني.
ستشمل هذه المقالة مقدمة لتعريف ازالة ارحام الفتيات المعاقات واسبابها , تلخيص الجدل الطبي والديني حول المسألة واقتراح بشأن ايجاد التشريعات الكفيلة لحماية الاشخاص المعوقين واهاليهم. فازالة ارحام الفتيات اللواتي لديهن اعاقة والمقصود هنا اعاقة عقلية شديدة ومتوسطة هو عبارة عن ازالة ذرية للفتاة حيث لا يمكن ان تحمل الفتاة بعدها. وحسب الاسباب الموجبة يجب التمييز هنا بين ازالة الرحم hysterectomy او تعقيم الرحم sterilization طبعا في كلتا الحالتين توجد مضاعفات طبية اقلهاالاصابة بهشاشة العظام في سن مبكرة وتعرض الفتيات الى الاصابة بالكسور قد تخلق مشاكل طبية للفتاه والاهل.
الاسباب الموجبة لازالة الرحم او تعقيمه عند الفتيات: ارجو التنبيه هنا بأننا لا نتحدث عن الاسباب الطبية لازالة الرحم او تعقيمه سواء للفتيات المعاقات او غير المعاقات بازالة الرحم بسبب وجود سرطان او امراض تناسلية اخرى, فازالة الرحم او تعقيمه للفتيات اللواتي لديهن اعاقة عقلية شديدة او متوسطة تتم غالبا للاسباب التالية:
1:اسباب اجتماعية:لوجود بعض هؤلاء الفتيات في مراكز بعيدة عن اعين الاهل يخشى الاهل تعرض الفتيات لاعتداءات جنسية مما يؤدي الى حمل محتمل وهذا سيعرض الفتيات الى معاناة وخدمات اضافية يتحملها المجتمع والاهل وهذا طبعا من النظرة الاجتماعية الغربية اما بالنسبة للنظرة المحلية الاجتماعية فكلنا نعرف ماذا يحصل عندما تحمل الفتاة او تتهم بالحمل وما يلحقه من عار ومشاكل قد تؤدي الى قتل الفتاة.
2: اسباب طبية: ولذلك لوقف الدورة الشهرية عند بلوغ الفتاة الرشد حيث ستضيف هذه المشكلة معاناة اخرى للفتاة والاهل كما توجد اسباب اخرى غير مثبتة علميا وبحثيا الا اذا كانت اسباب الاعاقة وراثية, وحمل الفتاة قد يؤدي الى مولود مصاب باعاقة عقلية ولهذا يتم ازالة الرحم او تعقيمه لاسباب وقائية.
السؤال المطروح للنقاش الان هل هذه الاسباب المذكورة اعلاه موجبة لازالة الرحم او تعقيمه؟ والسؤال الثاني من يتخذ القرار عندما يكون الشخص المعني "الفتاة المعاقة" لا تملك المقدرة العقلية على اتخاذ القرار؟. فمن الناحية الدينية والاجتماعية لدينا فولي الامر "الاهل" هم الذين يقررون لابنائهم سواء كانوا معاقين ام لا. كالموافقة على قرار الزواج مثلا وبذلك يكونون المسؤولين عن قرارهم. ,اذا كان هذا مقبولا اجتماعيا فهل هذا مقبول انسانيا؟ وهل وفرنا كمجتمع ومسؤولين ورجال دين معلومات ارشادية كافية للاهل لمساعدتهم لاتخاذ قرارهم بهذا الشان ؟ ان عدم توفير هذه المعلومات الكافية للاهل يجعلهم يتخذون قراراتهم غير المدروسة وتضيف لديهم مشاكل نفسية واجتماعية اضافة لما هو موجود لديهم اصلا من عقدة الذنب وظلم المجتمع للامهات بتحميلهم المسؤولية لوجود طفل معاق بالاسرة. لابد من التنويه هنا ان هذه المسألة ليست مشكلة اردنية بل هي مشكلة عالمية تم وضع تشريعات لها سواء بالدول المتقدمة والدول تحت التطوير .فمثلا في بريطانيا وبغض النظر عن الاسباب الموجبة لازالة الرحم او تعقيمه فقد ساهمت جمعيات حقوق الانسان والمنظمات الداعمة للاشخاص المعوقين وخصوصا جمعيات الاهالي لسن تشريعات قانونية اقلها, ان ازالة الرحم او تعقيمه "بالقوة" او لاشخاص ليس لديهم قدرة على اتخاذ القرار بسبب سنهم او قدراتهم العقلية وهو جريمة ضد الانسانية كما تم اعتماد هذا القرار في المحكمة الدولية للجرائم في روما.ونتيجة لذلك لا يجوز قانونيا في بريطانيا ان يتم ازالة الرحم او تعقيمه للاشخاص القاصرين سواء من قبل الطبيب او الاهل الا بعد الرجوع لقرار المحكمة.كما قامت منظمات حقوق الانسان العالمية بمنع رواندا الشهر الماضي من اصدار قانون يسمح بتعقيم او ازالة الرحم لفتيات قاصرات.
اما بالنسبة للجدل القائم بالاردن حول هذه المسألة فنقلا عن الBBC العربية فهو جدل ديني طبي وقانوني اما عن الراي الطبي في الاردن : فالاطباء اقروا بانهم قاموا باجراء هذه العمليات الا ان اراءهم مختلفة ومنقسمة حول قانونية وشرعية هذه العمليات . فمنهم من ابدى رايه الشخصي بدون الاستناد الى مرجع شرعي او طبي. فمثلا ونقلا عن BBC ايضا فأن اطباء من المستشفيات الحكومية والخاصة ايدوا اجراء هذه العمليات شفقه على الاهل وتخفيفا لمعاناتهم بينما اخرون ابدوا تحفظهم لاسباب دينية .فهذا مؤشر ان الاطباء يلعبون دورا مؤثرا في اتخاذ هذا القرار وبدون رقابة طبية وقانونية. طبعا غياب قانون المسائلة الطبية اعطى الحرية للاطباء للاعتماد على تقديرهم الشخصي وهذا مفتوح للنقاش والجدال عن قانونيته. فمنذ عشر سنوات تقريبا وقانون المسائلة الطبية يتنقل بين ادراج وزارة الصحة ونقابة الاطباء ولم يحن الوقت بعد لاخراجه الى حيز التنفيذ علما ان التشريع فيه حماية للاطباء و المرضى على حد سواء. كما ان وجود مثل هذا التشريع سيكون جاذبا للسياحة العلاجية وتعزيز الثقة بالخدمات الطبية المتطورة بالاردن.
اما عن الراي الديني: فاصدار تصريح من شخص من وزارة الاوقاف بتحريم ازالة الارحام لا يمكن اعتماده كفتوة شرعية وقد يكون تشبيه ازالة الارحام للفتيات المعاقات كوأد البنات قبل الاسلام كلام مبالغ فيه ومربك للاهل والمجتمع.
فالراي الديني يجب ان يصدر عن دائرة الافتاء الشرعية وان يتم ايصال معلوماته للاهل وللاطباء من خلال الوسائل الاعلامية الرسمية كالصحافة والتلفزيون والاذاعة, او غير الرسمية من خلال الندوات والاجتماعات ومن خلال رجال الدين في المساجد والكنائس وغيرها. اما من الناحية القانونية فقانون الاشخاص المعوقين فقد نص على حماية المعوقين وخصوصا المرأة المعاقة الا انه لا يوجد تشريعات ملحقة تتعلق بهذا الموضوع وبما ان الاردن يدخل مرحلة جديدة وجدية من خلال المجلس الاعلى للاشخاص المعوقين فان الفرصة مواتية الان أكثر من اي وقت مضى لسن مثل هذه التشريعات التي تحمي الاشخاص المعوقين وتقدم الخدمة الفضلى لهم. الا ان المطلوب دراسة الموضوع وتحليله من كامل جوانبه واشراك جميع متخذي القرار في هذا الشأن من الاطباء المتخصصين في هذا الموضوع , رجال الدين واهالي الاشخاص المعوقين ومن يمثلهم.
لتلخيص مساهمتي بهذا الموضوع ولتخفيف الارباك الذي يعانيه الاهل وحتى لا نحملهم المسؤولية لوحدهم اقترح الاتي:
1. اخراج قانون المساءلة الطبية الى حيز التنفيذ حتى لا يكون القرار الطبي منفردا لمحاسبة من لا يلتزم بالتشريعات التي ستصدر حول موضوع ازالة الارحام او تعقيمه للاشخاص المعاقين عقليا. 2. توفير المعلومات الكافية والمدروسة للاهل لتمكينهم من خلال وسائل الاعلام الرسمية وغير الرسمية من اتخاذ قراراتهم بهذا الشان بشكل سليم.
3. تشكيل لجان تشارك بها جميع الاطراف الطبية والفنية والاجتماعية على ان يكون الاهل ممثلين في جميع هذه النقاشات. 4. فتح المجال امام الباحثين وتوفير الدعم لهم للقيام بابحاث للتعرف على واقع المشكلة بطرق علمية.
متمنيا ان تكون هذه المساهمة جزءا من ما يقوم به ابناء الوطن المخلصون لخدمة الانسان الاردني وتحسين نوعية حياته في ظل الامن والاستقرار الذي نعيشه.
الموضوع قابل للنقاش